الخميس، 18 يناير 2018

فصول منهكة /المبدعة فاديا حسون

فصول منهكة ....
تاهت روحها في تلك المفارق المتشعبة .. كقارب نجاة أضاع  بوصلته في عباب بحر هائج ...تصرخ روحها في وجه الفصول ...تسألها عنه ... تنقب عن أدنى أثر لروحه الجميلة ...  لكن الفصول غدت منكوبة .. فقدت ملامحها باستسلام شديد  ... فرأت الشتاء وقد  نهرته الأعاصير .. فحطمت المظلات  .. وكسرت الأغصان العارية .. أردت أعمدة الإنارة صرعى. .. وجعلت النوافذ تعزف  صفيرا مرعبا .. والأسقف تنزف فقرا ووجعا ... .والربيع شاخت زهوره وهي في طور التفتح والظهور.. فغدا حدائق موحشة كعروس خرش جمال وجهها انهمار الدموع عند وداع أمها وصديقاتها .. ومراع نضب عشبها قبل ورود الخراف الجائعة إليها ... نكبات ونكبات في أجساد الفصول .. أما الصيف .. فسنابل فارغة انتصبت غاضبة في وجه الشمس .. وكأنها تحملها مسؤولية  القحط والجفاف  ...وفلاحون صدئت مناجلهم كمدا وخيبة أمام سنابل عاجزة عن طرح البر ...و رغيف ينتحب في حضرة الجائعين .. .. وماذا أقول عن الخريف .. فقد أصبح ركاما من النكبات .. وعنوانا عريضا للفصول العجاف ... أغصان محطمة فقدت معاني الخصوبة والإرواء .. وأوراق شحبت قبل أوانها ... ومشهد طاغ لفنون التساقط أرضا .. وابتسامة انتصار  تتراقص على ثغر مكتشف قانون الجاذبية .... 
أما عيناها .... فلاتزالان تتخبطان رامشتين في كل الاتجاهات ... تبحث عن ملامحه الغائرة في بطن تلك الفصول ... تذرف مع كل رمشة إشارة استفهام كبيرة ...قدماها تتعثران بركام من الإشارات .... وقلبها يتلعثم في ظل اندثار  الأبجدية عند.عتبات الجهل الذي يمارسه عقلها المتحجر نتيجة  ارتطامه بحقيقة انتهاك الطبيعة لحرمة الفصول ... حاولت أن تمارس صفعا شديدا على خدود روحها علها تصحو وتستفيق .. لأنها أدركت أنها غطت في كابوس عميق ..وأفاقت من نومها الموجع... فركت عينيها متثائبة ... أزاحت عنها الغطاء لتوقف نزيف مساماتها المتصببة عرقا وهلعا .. ثفلت ثلاثا على كتفها الأيسر .. إستعاذت بالله من الشيطان الرجيم .. ثم ابتسمت كنعجة أزاحوا عن عنقها مدية حادة .. و فرت لاهثة  إلى المراعي الخضراء النضيرة ... كان قلبها يعزف طربا على أوتار الولادة الجديدة ...ذاقت طعم الحياة من جديد ... وأعادت تنضيد الفصول فوق منصة  روحها المطمئنة بعد الإفاقة من ذاك الكابوس المقيت .. ثم أغمضت عينيها ثانية لتبحث عنه من جديد بين فصول سليمة الملامح ... سمحة التقاسيم ... وأيقنت أنها ستراه من جديد .. ربما هناك في الفراديس والجنان ...
لروحك السلام يا سيد الأحباب..
فادية حسون ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق