الاثنين، 29 يناير 2018

مت قاعد /بقلم محمد عبد المعز

مُــت ... قاعِـــد...!
................
زُرتُ أحدَ أساتذتي في المرحلة الإعدادية، وهو الآن بعد الستين، أي على المعاش، وبعد كرمه اللامحدود، أبلغته برغبتي في قضاء أكثر من مشوار بصحبته، تشرُّفاً به، فردَّ مازِحاً: سن المعاش ليس عشوائياً، ومَنْ حدَّدوه، بنوا ذلك على أسس، سألته: إن كنت حضرتك تقصد، ضعف الذاكرة، وقِلة القدرة، وغيرهما، فإنني أرى، بفضل الله، شاباً يفوقُ تلميذَه، عطاءً وإقبالاً على الحياة، فتبسَّم ضاحِكاً من قولي، مُستعِداً لصحبة مشروطة بقوله: مشوار واحد اليوم، والباقي نتفق عليه، فأجبته: اتفقنا، ولن نختلف إن شاء الله.
................
لا خلافَ على اختلافِ المراحل، وتفاوت القدرات، وارتباط ذلك بالسن، لكن المشكلة تكمن في التوقُّف عند مرحلةٍ معينة، وكأنها نهايةُ العالَم، كتقسيم كلمة "متقاعِد" مثلاً إلى "مُت قاعد" وفي ذلك ظلمٌ بين لهؤلاء الكبار، ورحلة عطائهم، وتضحياتهم، وسيرتهم ومسيرتهم، بل وفيه ظلمٌ للغتنا الجميلة، التي تقول، إن الأشجار تموت واقِفة، وقبلهما، لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي قال: "ليس منا مَنْ لم يوقِّر كبيرنا....."، وأربأ بنفسي والجميع، من السقوط في تلك الهاوية.
................
أعرِفُ رجالاً، ونساءً، بدأت حياتهم من المعاش، وهم الآن أسعدُ خلقِ الله، بل يمنحون هذه السعادة، لمن وما حولهم، ويفتحون أمام غيرهم مجالاتٍ لا حصرَ لها، بابتسامةٍ لا تُخطئها العين، ورضا يسمو بالنفس، وشفافيةٍ تحلِّق بالأرواح في عالمٍ أشبه بالمدينة الفاضلة، وهؤلاء فخرُنا وعزنا وكرامتنا، وكل ما أكتبه عنهم ولهم، لا يُساوي مثقالَ ذرةٍ مما يستحقون، لأنهم كبارنا وكبيراتنا، وتيجانُ قلوبنا.
................
محمــد عبــد المعــز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق